القلعة الملعونة | ذئب ملعون يختار ضحية بملكيته

القلعة الملعونة

بقلم,

رواية فانتازيا

مجانا

مراهقين عايشين في قرية اسمها أماريلوس، قرية صغيرة في الشمال عند حدود مملكة ملعونة. في يوم من أيام الشتا الساقعة، قرروا يعملوا مغامرة عشان يثبتوا نفسهم بمناسبة عيد ميلاد التوأم، وده إنهم يتعدّوا الخط الفاصل بين المملكتين. بس طبعاً الموضوع قلب بـ"كارثة" لما وحوش المملكة الملعونة هجمت عليهم من غير أي سابق إنذار. صاحبتنا "رينا" شافت بعينيها وحش بيفترس صاحبها، ولما جه الدور عليها، وحش ضخم غريب الشكل أنقذها في آخر لحظة بتصرفاته الغريبة اللي بتدل على التملّك.

رينا

الأكبر في الشلة، دايماً بتحلم تسيب الشمال البارد وتروح الأراضي الاستوائية. هي العاقلة اللي بتحاول تسيطر على تهوّر أصحابها.

أوريانا

كانت رافضة المغامرة دي من الأول وشايفة إنها فكرة غبية ومخاطرة مالهاش أي لازمة.

تايلوم

التوأم الشجاع والأكثر تهوراً، هو صاحب فكرة المغامرة المجنونة دي، وأول واحد بيتم قتله بشكل مأساوي على إيد الوحش.
القلعة الملعونة | ذئب ملعون يختار ضحية بملكيته
صورة الكاتب

🗺️ خريطة تريلومار

شكل قارة تريلومار وقت أحداث القصة. في الشرق، فيه محيط أوبسترايش. الغرب، الأرجوريش. الشمال، البورريش. الجنوب، السودريش. النهر اللي بين ممالك الجنيات والمملكة البشرية معروف باسم يرجماه. ناوي أعمل نسخة نهائية و"مُتقنة" من دي في يوم من الأيام. النهاردة مش هو اليوم ده. استمتعوا.

----

"دي فكرة وحشة خالص،" قالت أوريانا وهي بتنفخ هوا دافي في إيديها اللي كانت مجمّعاها من الرعشة. "إيه اللي هيحصل لو يوليوس كفشنا؟"

يوليوس كان عمدة قريتنا الصغيرة، أماريلوس، اللي كانت موجودة في أقصى الشمال عند قاعدة أطول جبل في المملكة البشرية.

يوليوس، ومكنش عنده عيال، كان بيراعينا أنا وأصحابي كإننا ولاده. كان بيطبّق قوانين دولتنا وبيبعت تقارير للملك كاسبوليان ، اللي قصره كان في الأراضي الجنوبية الاستوائية قريب من مملكة الجنيات، اللي كانت بتتمشى فيها حوريات البحر والجنيات (Faes) والمخلوقات الملونة.

دايماً كنت بحلم إني أعيش هناك في يوم من الأيام، إني أعوم في المحيط المالح وأقابل المخلوقات الجميلة اللي نصها عريان اللي هتحاول تغريني عشان أنزل معاهم الموج. بس الظروف خلت مستحيل إني أسيب أماريلوس. عشان كده كنت محصورة في إني أعيش أحلامي دي من خلال الكتب والحكايات اللي بيجيبوها التجار اللي معديين، والكل عارف إنهم بيزوّدوا الكلام عشان ياخدوا قرش زيادة ولا اتنين.

"أنا شايف إنك عاملة فيها جبانة أوي،" قال تايلوم  بمنتهى الجدية، وصوته مكتوم تحت الكوفية التخينة بتاعته.

أخوه التوأم، تيليم ، اللي شبهه بالظبط لدرجة كل نَمْشة، هزّ راسه بالموافقة، وشعر بني خارج من تحت القلنسوة بتاعته.

رفعت راسي للسما الرمادية، وكنت ممتنة إن الثلج بطل ينزل أخيراً قبل ما نبدأ رحلتنا لحد الحدود، وهي فكرة تايلوم طلع بيها عشان عيد ميلاده هو وتيليم التمنتاشر.

صوت اسمي اخترق النغمة الهادية لـ"قرمشة" جزمنا في التلج.

"هاه؟"

"قلت: طب، يا رينا ، إيه رأيك، عايزة ترجعي إنتي كمان؟ خايفة إن الديب الشرير ييجي ياكلك؟" ضحك تايلوم وميّل راسه لورا عشان يبص للسما. نزّل الكوفية بتاعته عشان يبيّن شفايفه المضمومة اللي محاوطها دقن خفيفة مكسلش يحلقها الصبح. "أووووووه!" صرخ، ومقدرش يمسك نفسه من الضحك. أوريانا سكتته، خبطت على دراعه وشتَمته. "أووووه—"

عُواء، عُواء حقيقي بتاع وحش، اخترق الهوا، خلّانا كلنا نسكت ونقف متخشبين من الصوت اللي متعودين نسمعه مرة واحدة في الشهر بس تحت سما القمر الكامل. كان صوت عميق، وقوي، ومخيف، بس في نفس الوقت جميل، ولقيت نفسي برتعش مش بس من البرد.

لما العواء خلص، طلعت زفير اللي افتكرت إنه زفير ارتياح، والنفس بتاعي طلع ضباب ولفّ في الهوا بهدوء.

"ممكن نرجع دلوقتي، لو سمحت؟" همست أوريانا، وهي بتشد إيدها السمرة من كمّ تيليم. كانت عارفة مفيش فايدة إنها تحاول تقنع دماغ التوأم التاني. "الخروجة دي غباء." عينيها الواسعة البني كانت بتلمع وهي بتبص للولد بلهفة.

"يمكن..." تيليم سكت شوية، وبص لأخوه بقلق.

عينيه الخضرا كانت باين عليها الندم، مع إنه كان دايماً مطيع لأفكار أخوه مهما كانت مجنونة أو متهورة، بس قدرت أحس إنه بدأ يقلق زي أوريانا بالظبط. اللي كان محاولة سخيفة عشان يثبتوا رجولتهم بدأ يثبت إن المخاطرة بتاعته مش مستاهلة خالص.

كلنا كنا عارفين الأخطار اللي مستخبية جنب الحدود، اللي مستنية المراهقين الجريئين اللي زينا ياخدوا الخطوة اللي مفيش منها رجعة دي عشان يتعدّوا خط الحدود عشان "من حقهم" يهاجمونا كمتسللين.

بالرغم من إني كنت واثقة إننا هنكون حريصين أكتر من الناس اللي في القصص، بس برضه مكنتش ضد فكرة إننا نرجع. مكنتش حاسة بصوابع رجلي تقريباً وأظافري بدأت تزرق.

"لأ،" بصق تايلوم، ومشى لقدام بالرغم من إننا كلنا فضلنا واقفين في مكاننا. كان باين عليه إنه قرفان جسدياً من الاقتراح ده. "إحنا وصلنا لحد هنا و—هي! شوف، شوف!"

شاور على مكان قدامه وبدأ يجري—أو حاول يجري—في طبقات التلج التخينة.

تيليم تمتم بحاجة تحت أنفاسه وجرى ورا أخوه، وهو بيزعقله عشان يرجع بس من غير فايدة.

أوريانا بصت لي بعنيها قبل ما تبرم عينيها، وإحنا الاتنين بدأنا نتبع الولدين المراهقين على مضض لجوة الغابة أكتر.

سناني كانت بتخبط في بعض جامد، وشدّيت الجاكيت بتاعي، اللي كنت عملته لنفسي من جلود الأرانب والقطن، أقرب لصدري. ده كان أبرد شتا مرّ علينا في حياتنا تقريباً، ولو مكنوش التوأم دول أصحابي، كنت زماني متدفية تحت البطانية وبشرب كوباية شاي سخنة.

"أهه! أهه!" زعق تايلوم، وهو بيشاور على يافطة كانت واقعة على جنب بسبب سنين الإهمال والجو الوحش. اللوح الخشبي الغامق اللي شكله مش متساوي كان قديم جداً، وكنت مستغربة إنه لحد دلوقتي مابقاش جزء من الأرض.

"مملكة ملعونة احذروا!!" كانت بتقول اليافطة، وتحتها كان في حاجة شكلها كلب شيطاني بـ"أنياب" حادة وعينين مبرّقة مخلّياه شكله مضحك. جنبها بالظبط، بصبغة لونها أسود بدل الأحمر، كانت فيه رسمة صبيانية لـ"عضو ذكري" مرسومة بتلات دواير مش متساوية.

اللافتة مكنتش مجرد تحذير أو علامة مميزة للمراهقين اللي زهقانين عشان تكون حجة إنهم يبعدوا عن البلد اللي محبوسين فيها طول حياتهم؛ دي كانت بتعلّم الحدود بين المملكتين بتوعنا. خطوة واحدة بس كمان وكنا هنبقى في نفس الأرض اللي فيها وحوش، اللي الإشاعات بتقول إنهم كانوا ناس متحضرين زمان وعاقبهم الآلهة بسبب قسوتهم وطمعهم في الحرب اللي فاتت.

"تمام. حلو أوي. عرفنا إنكم رجالة. ممكن نرجع دلوقتي لو سمحت؟" قالت أوريانا، وهي بتهز ركبها. صوتها كان قلقان.

"مش قبل ما نسيب علامتنا إحنا كمان،" تايلوم شاور بإبهامه على اليافطة، واستخدم إيده التانية عشان يطلع قلم من جيب الجاكيت بتاعه. رسم نسخته الخاصة من العضو التناسلي الذكري بالظبط جنب التانية، واللي خلاني أستهزئ.

أول ما خلص، تيليم خطف القلم منه وبسرعة رسم نفس الحاجة على الناحية التانية.

كنت براقب خطواته، وقلبي بيدق أسرع.

"هو ده بجد الحاجة الوحيدة اللي الرجالة بتفكر فيها؟" سألت، والابتسامة بتشد على شفايفي في محاولة إني أخبي إني أدركت فجأة قد إيه إحنا كنا أغبيا. سراً، كنت بتساءل إذا كان المفروض أسيب "علامتي" أنا كمان عشان نزلت وخاطرت بحياتي. بعد كل ده، أنا أكبر واحدة فيهم.

"آه."

"تقريباً."






ضحكت وكنت لسة هقول حاجة لأوريانا لما لمحت حركة خطفت عيني، حاجة طويلة ولونها غامق. في الأول تجاهلتها وقولت ممكن يكون غزال، ودي حاجة كانت منتشرة في المنطقة دي من غابات الشمال، لحد ما شفته مرة تانية وافتكرت إحنا فين.

"آه، يا جدعان؟" قلت بأهدى ما يمكن، وحاولت أهدّي نفسي وأنا ببص حوالين كل شجرة. حاولت أقول لنفسي إني بتخيّل حاجات، وإن شرب كاس الفودكا ده قبل ما نمشي كان فكرة وحشة، وإنه مفيش حد رجليه عدت الحدود. أنا كنت باصّة عليهم كويس لدرجة إني كنت هلاحظ ده.

سكان المملكة الملعونة معروف عنهم إنهم عنيفين ومابيسبوش حقهم مع الغرباء. بس هما نفسهم عمرهم ما اتجرأوا يعدّوا خط مملكتهم؛ عمر ما حصل أي هجوم قريب من قريتنا عشان يسبب أي نوع من الذعر، مع إن أماريلوس كانت من أقرب القرى.

بس دايماً كانت فيه حواديت قبل النوم والشيوخ بيحذّرونا وإحنا صغيرين من يوم هيطلعوا فيه بره عشان يخلصوا اللي ماقدروش يخلصوه في الماضي.

أكيد أصحابي افتكروني اتجننت، كانوا بيبصوا لي كأن راسي طلع لها واحدة تانية شبهها.

فجأة، غصن شجرة اتكسر قريب مننا، والصوت الحاد والواضح اتردد من كل حتة. أوريانا اتخضّت وطلعت صوت مخنوق كان بداية صرخة. التوأم بصوا لبعض بـ"نظرات" خمنتها خوف. حتى تايلوم، اللي كان أشجع واحد فينا، كان شكله هيعملها على روحه.

كلنا كنا عارفين الأخطار اللي مستخبية في غابات الشمال. سمعنا قصصهم طول حياتنا. خفنا منهم طول حياتنا.

"يا لهوي!" همست أوريانا، وقربت مني أكتر ومسكت في دراعي فوق كوعي بالظبط. طلعت صوت زي الهمسة وأنا بتوجع لما ضوافرها الطويلة غزتني جامد قوي من خلال كمامي الكتير. "رينا، يالا بينا نمشي."

كنت على وشك أوافق، وفتحت بوقي عشان أطلع الكلمات. بس الكلمات وقفت في زوري لما سمعت صرخة.

لفيت راسي بسرعة، وصرخت برعب لما شفت مخلوق ضخم بيغرز سنانه في رقبة تايلوم، ودم صاحبي بيطشر على التلج الأبيض. صرخاته المتقطعة من الألم خلت الطيور تطير من الشجر وهو بيقع لورا، وده خلى الوحش يعرف يوصل لرقبته أحسن.

أوريانا صرخت وحطت إيديها على بوقها وبدأت تعيط بشكل هستيري، وهي بترجع لورا بعيد عن المنظر ده وبتلف راسها في كل اتجاه عشان تدور على طريق تهرب منه بأمان.

كل اللي قدرت أعمله إني فضلت أبص برعب، وأنا ببص للمخلوق وهو بيهز راسه يمين وشمال، وبيطلع صوت زي الزمجرة وسنانه لسه مغروسة في رقبة تايلوم. ده فكرني بكلبتي، علياء (Aleah)، وإزاي كانت بتلعب باللعب القطنية بتاعتها. كنت دايماً بضحك لما بتعمل كده. أنا مش بضحك دلوقتي.

"تاي!" زعق تيليم، وكان باين عليه إنه مشلول من الخوف زيي بالظبط.

المخلوق كان أضخم مما كنا ممكن نتخيله. بالرغم من إنه كان ذئب حسب التعريف الجسدي، بس كانت فيه اختلافات بسيطة أكدت إن ده مش حيوان عادي. ضهره كان محني بشكل مش طبيعي مع ديل أقصر، وسنانه ومخالبه كانت بشعة، كأن الهدف الوحيد من وجودهم هو بث الرعب.

المخلوق كان بالظبط زي ما بتتوصف وحوش المملكة الملعونة، بس مفيش أي حاجة كانت ممكن تجهّزنا للرعب المطلق اللي حسينا بيه لما شفناه.

فكرة إن أسامينا تتكتب جنب أسامي ناس تانية كتير اللي موتهم بيحكي عن رعب الوحوش دي، خلتني أرتعش من سخرية القدر. سمعت القصص دي تقريباً كل ليلة في حياتي. كان باين إن من المناسب إني انضم ليهم.

"اجروا!" زعق تيليم في أوريانا وفيّا، وده صحاني من الصدمة اللي كنت فيها. كان بيبص حواليه على الأرض، كأن ممكن يكون فيه أي حاجة في الطبيعة قوية كفاية إنها تنقذ أخوه.

من غير ما أفكر لحظة، عملت اللي قاله بالظبط، لفيت على كعبي، ودرت عشان أجري بأقصى سرعة ممكنة لبيت يوليوس. بس في ثواني، اترميّت بقوة من على رجلي، والهوا اتخبط بعنف وطلع من صدري.

اتخنقت من الألم، والتلج ماقدمليش أي حاجة زي المخدة عشان أتخفف من الوقعة، وكنت مضغوطة.

أوريانا زعقت باسمي من مكان ما.

فجأة، تقل ضخم ضغط على ضهري، وطلعت صرخة ألم ضعيفة، ضلوعي اتخبطت من إني وقعت على وشي على الأرض المتلجة القاسية.

بعد كده عملت حاجة عمري ما كنت أتصور إني هعملها.

صرخت.

صرخة حقيقية—صوت عالي ومتقطع ومليان ذعر. ماكنتش أعرف إني ممكن أطلع صوت زي ده. ماكنتش أعرف إن في أي حاجة ممكن توجع بالطريقة دي.

الوحش زمجر في ودني، والصوت الغليظ كان تخين من السخونة والجوع. أنفاسه كانت سخنة وحامضة، قريبة لدرجة إني حسيت برطوبتها بتنزل على خدي. صرخت تاني، وصوتي مبحوح، ورفست لورا، وبحاول بيأس إني أفقده توازنه. كعب جزمتي خبط في حاجة ناشفة، بس ده خلى المخلوق يطلع صوت زي الغضب.

طقطق سنانه قريب من وشي—قريب أوي لدرجة إني حسيت بألم حارق من إن ناب خبط في غضروف ودني. الدم نزل على رقبتي، سخن مقابل الهوا المتلج.

في مكان قريب، حاجة تقيلة خبطت في الأرض. زمجرة تانية—أعمق وأوطى—اترردت بعديها، تبعها صمت.

"لأ—لأ!" صرخت، وأنا بخربش في التلج، وبشوط بكل ذرة قوة عندي. خبطت كوعي لورا في حاجة صلبة—ممكن يكون مناخيره—بس هو طلع صوت غضب بس.

الدموع غطت على رؤيتي. صوتي اتكسر من قوة الصراخ. ماكنتش مستعدة أموت بالشكل ده. مش متكتفة، مش عاجزة.

بعد كده الذئب لف فكه حوالين رقبتي، والأطراف الحادة يا دوب بتلمس جلدي وهو بيلحس مؤخرة رقبتي بلسانه.

"أرجوك!" بكيت بيأس، وصوتي مكتوم بسبب الأرض. "أرجوك لأ! يا إلهي—أرجوك!"

بعد كده—

زمجرة شقت الهوا. أعمق. أعلى. متوحشة بطريقة خلت الذئب اللي فوقي يتجمد في مكانه.

لو الصوت ده كان طلع متأخر ثانية واحدة، كنت ممكن أكون متّ بالفعل. الإدراك ده خلى جسمي يتشنج من بكاء جديد، ووشي اللي بيحرقني لسه لازق في التلج.

الزمجرة طلعت تاني—أقرب للتحذير أكتر من التحدي—والذئب اللي فوقي همس. حسيت إن سنانه اتشالت من على رقبتي وبعد كده وزنه اتغير. أنين تاني واطي ومرتعش طلع منه وهو بيبعد ببطء.

جسمي استرخى في التلج. سحبت نفس متقطع، وكحيت لما الهوا المتلج جرح طريقه لجوة رئتي.

وأنا باخد الهوا الغالي ده، رفعت راسي وقابلت عينين منقذي.







ذئب أسود ضخم كان واقف على بعد كام قدم بس—كله جروح لدرجة إن في أجزاء كاملة من الفرو مفقودة، ومبيّنة جلد باهت وعلامات قدم السن من تحت. كان شكله قديم ووحشي، كائن الحرب هي اللي شكلته. عينيه كانت بتلمع دهب—عميقة، مش طبيعية، وحيّة. ثبتت في عيني.

وبقت أضيق.

زوري كان متقطع من الصريخ. وشي كنت حاساه متجرح من الهوا والدموع. كنت متأكدة إني متغطية دم، ومخاط، وتراب—كل جزء فيا متبهدل ومتبوعك. ماكنتش قادرة أتنفس من غير ما أتوجع. حتى ماكنتش عارفة لو كنت عايزة أتنفس أصلاً.

الذئب الأسود بدأ يمشي ناحيتي.

كنت مستنزفة—جسدياً وعاطفياً—ومقدرتش أعمل حاجة غير إني أتفرج.

العضلات كانت بتتموج تحت الفرو التخين بتاعه. كفوفه الضخمة كانت بتنزل على التلج من غير صوت—كل خطوة فيها رشاقة عمر ما وحش المفروض يكون عنده الرشاقة دي.

ماسمعتش حاجة غير لما وقف جنبي بالظبط: صوت نقرات هادية ومقصودة من مخالبه وهي بتخبط في التلج.

حبست نفسي.

بعد كده لف—مش ناحيتي أنا، لكن ناحية الذئب اللي هاجمني. زمجر، بصوت واطي وخطير، وشفايفه رجعت لورا عشان تبين صفوف من سنان لامعة لونها زي العضم الباهت.

الذئب اللي كان مثبّتني وقع على طول في وضع القرفصاء، ودانُه لازقة، وديله ملفوف جامد بين رجليه المرتعشة. ما اتجرأش يطلع أي صوت.

اتنين تانيين اتسللوا من الشجر—لونهم رمادي وبني، نحاف وهاديين. شمّوا الهوا، مش متأكدين، وأنوفهم اللي بتتحرك لقطت ريحة الدم والخوف.

منقذي اتوتر، وزمجر تاني، بصوت أعلى المرة دي.

وبعد كده—لف شوية، ورفع رجله الخلفية—

دفء رش فجأة على بطني.

للحظة، ماقدرتش أتحرك. ماقدرتش أتنفس.

بعد كده الريحة ضربتني، حادّة، وحامضية، ومهينة.

صوت مخنوق طلع من زوري وأنا بلف ببعد، وبتقلب على ضهري. الشتايم نزلت من على شفايفي وأطرافي كانت بتخبط من غير فايدة في التلج. الريحة كانت مقرفة—تخينة وحامضة، وحرقت مناخيري وغطت زوري. كنت بتخنق، وجسمي كله بيرتعش وأنا ماسكة البقايا المتقطعة من الجاكيت بتاعي.

"السائل" ده غرق كل حاجة—كمامي، صدري، بطني. كنت حاسة بيه بيتزحلق تحت الطبقات، سخن على جلدي المتلج.

كنت عايزة أصرخ. أختفي. أزحف وأخرج من جسمي وأسيبه ورايا.

وبعد كده لفيت راسي وشفت المنظر.

مش الذئاب.

مش الشجر.

الدم.

كمية دم رهيبة—برك، وبقع، وخطوط منه مرسومة على التلج الأبيض، ومتلطخ على اللحاء، ومرشوش على الأشكال الملتوية للفروع المكسورة.

افتكرت إني شفت ذراع—عريانة ومتيبّسة—طالعة من تحت كوم تلج. ماقدرتش أحدد ذراع مين، وماكنتش عايزة. درت وشي قبل ما أتأكد.

شفّتي اللي تحت ارتجفت وأنا بحوّل نظري لفوق، على السما الباهتة اللي مش مهتمة. أي حاجة كانت ورا حائط الذئاب الأربعة—وكل واحد فيهم فمه متلطخ بدم لونه أحمر غامق—مكنتش عايزة أشوفها.

"يا إلهي،" همست بصعوبة. صوتي كان مجروح ومبحوح، يا دوب صوت إنسان. الدموع غبشت رؤيتي تاني وأنا عقلي بيرفض يستوعب إيه اللي حصل بالظبط.

واحد من الذئاب لحس فكه اللي مليان دم. اتنفضت من صوت الطقطقة الرطبة للأسنان وهي بتخبط في بعض. معدتي لفت.

"تيليم؟" همست، وصوتي بيتكسر.

بس قبل ما أي حاجة تانية تتشكل على شفايفي، الذئب الأسود—اللي كله ندوب، منقذي—اندفع لقدام بزمجرة مفاجئة.

"لأ!" صرخت، وبحاول أزحف لورا، بس جسمي رفض يطيعني. أطرافي كنت حاساها تقيلة، وعديمة الفايدة. "ابعد عني!"

ثبتني تاني—كفوفه الضخمة بتسحق كتافي، ووزنه بيجبر رجلي تفضل ثابتة. أنفه الرطب ضغط على رقبتي، وهو بيتنفس بعمق. زمجرات واطية رنت في صدره، والاهتزازات بتغوص في عضمي.

قفلت عيني جامد، وشهقة تانية طلعت من صدري. بعد كده—لسانه طلع فجأة، بطيء وسخن، بيلحس المكان اللي كتفي بيتقابل فيه مع رقبتي.

التلامس ده كان غلط—مقصود جداً، وفي تملُّك. سخونته بعتت موجة رعب مباشرة في عمودي الفقري، وطلعت صرخة عالية ويائسة.

الصوت ده خضّه.

شد لورا—يا دوب شوية—وجمجرته بقت أوطى. أنفاسه بقت بتطلع على شكل دفقات سطحية دلوقتي، والبخار بتاعها بيطلع على خدي.

وبعد كده بص لي من فوق لتحت.

عينينا اتقابلت.

قزحية عينيه كانت دهب—لامعة وقاسية، وبتوهج زي نار حية.

فيهم، شفت حاجة غير متوقعة: تعرُّف. ومضة فكرة. قرار.

ندبة طويلة ومسنّنة كانت قاطعة الجانب الأيسر من وشه—من حاجبه لحد أنفه—والجلد اللي التئم كان زي حافة باهتة تحت الفرو الخشن.

"أرجوك،" اتوسلت بضعف، بهدوء لدرجة إني ماكنتش متأكدة إذا كانت طلعت مني ولا لأ. لفيت راسي بالراحة، وكشفت جزء أكبر من رقبتي كنوع من الاستسلام. الدموع نزلت في خطوط صامتة على خدي.

فضلت راقدة تحته، مرتخية ومكسورة. مافضلش فيا أي مقاومة.

الذئاب التانية وقفت في دايرة متفرقة، صامتة. بتتفرج.

مستنية.

الذئب الأسود مال أقرب—أقرب، أقرب—لحد ما أنفاسه اختلطت بأنفاسي.

وبعد كده—

صوت طقطقة سنانه مزّق لحمي.

الألم انتشر في سنّان بيضا مولعة في رقبتي، حادّة لدرجة إنها محت أي فكرة. جسمي تشنّج، تقوّس—بعد كده انهار.

العالم ذاب في الألم.

وبعد كده... في العدم التام.

"فضلاً صوّتوا! شكراً جزيلاً إنكم قريتوا!!! أنا متحمسة جداً أخيراً إني أحط الفكرة دي في كلمات وأشاركها مع كل حد هنا على المنصة دي."



تعليقات