خادمة القصر | رواية بنت أنغولا

خادمة القصر

بقلم,

تاريخية

مجانا

بنت غلبانة من أنغولا، كانت عايشة هي وعيلتها في فقر مدقع. عشان هي الكبيرة، قررت تسيب بلدها وتشتغل خادمة في قصر في إنجلترا عشان تبعتلهم فلوس يعيشوا بكرامة وميجوعوش. بتشوف في القصر عالم جديد خالص ومليان فخامة، بس شغل الخدمة ده صعب ومليان قواعد صارمة، خصوصًا إنها هتشتغل في الجزء بتاع العيلة المالكة. هدفها الوحيد إنها تبقى مطيعة عشان تحافظ على شغلها وعلى أمان عيلتها اللي سايباهم وراها.

آكيا بوحاري

بنت جميلة وبريئة من عيلة فقيرة، ضحّت وسافرت عشان تشتغل وتصرف على أهلها وأخواتها الستة. هدفها الأمان والطاعة.

السيد والسيدة بوحاري

أهل آكيا الغلابة، رفضوا يبيعوا بنتهم للزواج عشان مؤمنين إن الحب والسعادة أهم من الفلوس.

ليدي أدورن

رئيسة الخدم في القصر، ست كبيرة صارمة بس بتساعد، وهي اللي بتوزع الشغل وبتديهم القواعد، وهي المسؤولة المباشرة عن آكيا.
خادمة القصر | رواية بنت أنغولا
صورة الكاتب

آكيا بوحاري؛ خادمة سابقة كانت عايشة في بلد في أفريقيا اسمها أنغولا. أمها وأبوها كانوا ناس غلابة قوي، عايشين في كوخ صغير معاهم ست عيال ومش لاقيين غير عيش قديم ياكلهم.

بما إنها كانت الأكبر، آكيا كان لازم تساعد وتجيب فلوس وأكل. عادةً، الطريقة الوحيدة اللي تجيب مبلغ كويس لعيلة كبيرة زي دي كانت إنها تشتغل "ست ليل" أو خادمة عند الملوك.

آكيا كانت جميلة؛ بشرتها السمرا الناعمة، عينيها البني الفاتح، شعرها الكيرلي المايل للحمار اللي نازل على ضهرها، سنانها البيضا اللي زي اللؤلؤ، جسمها المتناسق زي الساعة الرملية، ورجليها الطويلة اللي كانت تخلي كل رجالة قريتها يسيبوا شغلهم عشان يبصوا عليها وهي ماشية. كل راجل كان بيحلم يتجوز آكيا. كام واحد كمان راحوا لأبوها وعرضوا عليه فلوس وحاجات تساعد العيلة الكبيرة دي تعيش.

بس الأستاذ بوحاري رفض العروض دي. أهلها دايماً يقولوا إن الحب والسعادة هم أهم حاجة في الدنيا. عارفين إن بنتهم تتجوز لراجل عجوز هي مش بتحبه ولا هتعيش معاه سعيدة دي فكرة وحشة قوي وهتفضل تطاردهم طول عمرهم.

في الوقت ده، آكيا كانت ممتنة لمعتقدات أهلها، بس كانت زعلانة وحاسة إنها عبء عليهم. أهلها كانوا شغالين في أرضهم اللي بالعافية بتطلع زرع. وهي آكيا قاعدة في البيت بتخلي بالها من أخواتها الصغيرين اللي بيلعبوا ومبسوطين.

هي كانت معجبة بيهم. شايفاهم مش شايلين هم على وشهم كل يوم عشان نقص الأكل اللي بياخدوه في كل وجبة. أخواتها كانوا لسه صغيرين قوي ومش فاهمين إيه المشكلة. ودي حاجة عجبت آكيا؛ إنهم كل اللي هاممهم إن عيلتهم تكون جنبهم أهم من الفلوس والكوخ الحلو.

عشان كده آكيا بقت خادمة سابقة. سافرت في نفس اليوم اللي وصلت فيه شحنة إنجليز لأنغولا عشان ياخدوا بضاعة وخدم. آكيا ودّعت أهلها وأخواتها قبل ما تركب السفينة الكبيرة مع شباب تانيين من سنها بيدوروا على شغل وفلوس عشان يصرفوا على عائلاتهم.

آكيا بصت وهي السفينة الكبيرة بتخترق المية السريعة. من بعيد، كانت شايفة الأرض الخضرا والقلعة الكبيرة اللي ملكها الجديد عايش فيها.

ابتسمت. كانت متحمسة لبيتها الجديد والمزايا اللي هتعود على عيلتها لما تبعتلهم فلوسها.

"انزلوا من السفينة!" راجل ضخم بعين واحدة صرخ. الخدم الجداد، بما فيهم آكيا، مسكوا حاجاتهم ونزلوا من السفينة القديمة اللي ريحتها وحشة واللي سافروا فيها أربع أيام.

آكيا نزلت من السفينة وهي مبتسمة ابتسامة كبيرة، وإيديها حافية بتلمس النجيلة الناعمة بتاعت إنجلترا. الهوا كان دافي ومغيم، وده خلى الطريق في الغابة شكله غامض أكتر.

"امشوا ورا الطريق!" نفس الراجل صرخ.

الكل عمل زي ما قال ومشيوا ورا الطريق الترابي اللي كان غريب على رجليهم الحافية.

آكيا رفعت الفستان اللي الرجالة في السفينة ادوهولها عشان تبقى شكلها ماشي مع المكان. كل واحد كان لابس هدوم من بيتهم الجديد، ما كانتش أحسن حاجة بس كانت كويسة وتدفيهم وتسترهم.

آكيا مشيت أبعد على الطريق الترابي عشان تشوف القلعة. آكيا شهقت من المنظر الجميل؛ أول حاجة ظهرت كانت نافورة كبيرة من الحجر وميتها زي الكريستال. النجيلة كانت خضرا فاتحة وحواليها شجر ورد على الأطراف. طيور البجع قاعدة على النجيلة؛ مستريحة ومستمتعة بالشمس.

الخدم الإنجليز كانوا بيتفرجوا على الناس الجداد وهم داخلين القلعة ورايحين على الجزء اللي ورا، اللي هو سكن الخدم.

"هتناموا هنا." قالت سيدة كبيرة في السن بلهجتها الإنجليزية. شعرها الأشقر كان مربوط بإحكام، والفستان بتاعها كان آخره عند الكاحل؛ مبين البوت الجلد بتاعها اللي معمول عشان المشي مسافات طويلة والشغل في المطبخ.

"أنا ليدي أدورن. أنا هكون رئيسة الخدم بتاعتكم، يعني أي مشكلة أو حاجة قلقاكم، تعالوا لي أنا. أنا متأكدة إني هساعد. في قواعد لازم تمشوا عليها في القلعة." ليدي أدورن بصت على مجموعة الخدم الكبيرة. وقتها لمحِت آكيا البريئة. جمالها كان باين قوي في وسط الزحمة، وبراءتها كانت ظاهرة من عينيها. بتشد الناس بسهولة.

ليدي أدورن حولت نظرها وكملت تبص على الناس. "القاعدة الأولى: ممنوع السرقة، وممكن تدفعوا تمنها إيديكوا أو حياتكم. القاعدة الثانية: لازم تنحنوا دايماً لما تسلموا على الملك، رجالة الملك والأميرة؛ أخت الملك الأصغر. القاعدة الثالثة..." عينيها راحت لآكيا كأنها هتكلمها هي بس. "ممنوع يكون فيه أي علاقات مع أي حد من المستويات العالية في القلعة، ولو حصل هيكون فيه عواقب."

آكيا تجاهلت الكلام ده في سرها. آكيا ما عندهاش أي اهتمام إنها تدخل في علاقات مع أي حد وهي هنا. كل اللي بتفكر فيه هو عائلتها.

"كده كفاية... دلوقتي. حطوا حاجاتكم وانضموا لصف مستقيم. السيدات على الشمال والرجالة على اليمين. بسرعة."

الكل اتجه بسرعة للأسِرَّة اللي فوق بعض. آكيا حطت شنطتها على السرير اللي تحت، عشان هي بتخاف من الأماكن العالية وبتوقع دايماً من السرير. بعد كده، هي بسرعة وقفت ورا واحدة شابة أقصر منها شوية، بس شكلها في نفس سنها.







"أنا اللي هختار شغل كل واحدة فيكم." قالت ليدي أدورن. "كل الرجالة هيشتغلوا في الجناين والإسطبلات. لورد بيشوب هياخدكم هناك."

الرجالة مشيوا ورا راجل عجوز ملتحي وخرجوا بره. ليدي أدورن بصت على الستات الصغيرين.

"كـ سيدات، هتشتغلوا في كذا مكان. المطبخ، التقديم، الخدمة، العناية بالأطفال، الجناين، ولو كنتوا محظوظين؛ ممكن تبقوا الخادمة الخاصة للأميرة، لو هي اختارتك. أنا هختار مكان شغل كل واحدة بالاسم." ليدي أدورن طلعت ورقة قديمة كلها أسماء مكتوبة بخط اليد. "لما أنادي اسمك، اطلعي على جنب."

"إيبيل؛ مطبخ." ست في نص العمر كانت واقفة جنب آكيا مشيت للزاوية، بعيد عن الصف. "أمارا؛ خدمة." الست الشابة اللي كانت بعدها بـ اتنين طلعت من الصف.

خد الموضوع عشر أسماء كمان لحد ما آكيا عرفت إيه الشغلانة اللي هتعملها تقريباً طول حياتها.

"آكيا؛ تنظيف."

آكيا طلعت من الصف وراحت للناس التانيين وهم مستنيين بهدوء أي تعليمات تانية.

ليدي أدورن خلصت أخيراً. طبّقت الورقة وبصت على السيدات. "لو كنتوا في مجموعة التنظيف، تعالوا معايا. الباقيين استنوا التعليمات بتاعتكم."

سبع سيدات، منهم آكيا، طلعوا من المجموعة ومشوا ورا ليدي أدورن.

"قبل ما نكمل، لازم نديكم الهدوم المناسبة وننضّفكم."

مشوا لمنطقة تانية فيها أحواض كبيرة على الأرض مليانة ماية نضيفة.

"هتستحموا هنا. فيه هدوم جنب كل حوض وممكن اتنين يدخلوا في الحوض الواحد. ما تقلقوش، الرجالة بيستحموا في منطقة تانية خالص."

آكيا خدت نفس براحة.

"يلا بسرعة اغسلوا نفسكم. الصابون موجود في كل هدوم. تأكدوا إنكم تحافظوا على الهدوم دي لحد ما نساعدكم في هدوم تانية." ليدي أدورن مشيت ناحية المخرج. "وأنتم بتغسلوا، إحنا هنساعدكم في الهدوم والجزَم. معاكم عشر دقايق." ليدي أدورن طلعت من الأوضة والباب اتقفل وراها.

الست ستات بدأوا يقلعوا هدومهم ويدخلوا الحوض، وآكيا قلعت فستانها وهي متوترة. أول ما بقت عريانة، آكيا دخلت بحذر في حوض دافي.

بعد ما استحموا ولبسوا الهدوم المناسبة؛ ليدي أدورن خدت السبع ستات للقلعة وهم بيتفرجوا بذهول على المكان اللي حواليهم.

الرسومات مغطية كل ممر، والتماثيل في كل زاوية. الشبابيك الكبيرة بتدخل النور من بره وده خلى جوه القلعة أجمل وأجمل.

آكيا كانت معجبة بكل عمل فني. لحد ما ليدي أدورن خلتهم يدخلوا في أوضة مقشة كبيرة مليانة تراب.

"هنا هتجيبوا العدة بتاعتكم. كل واحدة فيكم هيكون ليها ممر تنضّفه وسراير تروّقها. أنا هوزّع عليكم الممرات." ليدي أدورن بصت لآكيا مباشرة بنظرة تحذير. "دايماً اسمعوا كلام العائلة المالكة. مهما طلبوا منكم؛ اعملوه."

"ديدي وبيشنس هياخدوا ممر الضيوف والأوض بتاعته. سوباريا ورودو هياخدوا ممر الحرس والأوض بتاعته. شينا ورايتشل هياخدوا ممر مجلس الوزراء والأوض بتاعته. آكيا، إنتي هتكوني معايا في ممر العائلة المالكة والأوض بتاعتهم. كلكم هتبدأوا شغل الليلة دي بعد ما أوريكم المكان كله. دلوقتي، امشوا ورايا على المطبخ، عشان تتغدوا."

ليدي أدورن طلعت من أوضة المقشة الأول والكل مشي وراها؛ وبكده آكيا كانت آخر واحدة بتطلع وبتقفل الباب الخشب.

"كلكم هتصحوا مع شروق الشمس وهتناموا مع غروب الشمس. أنا بنصحكم تستحموا بالليل وتجهزوا هدومكم. لو ما كنتوش في الممرات المخصصة لكم بالظبط مع شروق الشمس، هتتعاقبوا. فيه أي أسئلة قبل ما نكمل؟" ليدي أدورن بصت على المجموعة الصغيرة.

محدش تجرأ يتكلم.

ليدي أدورن كملت؛ وورّتهم المطبخ، أوضة الأكل، أوضة الحفلات اللي لازم كلهم ينضّفوها من وقت للتاني، والممرات اللي اتخصصت لكل واحدة فيهم.

طول الوقت آكيا كانت مبتسمة وهي بتفكر في عيلتها والمنافع اللي هتيجي عليهم. أخواتها مش هيجوعوا تاني، وأهلها مش هيشتغلوا زي البهائم تاني. هيعيشوا أحسن؛ هيكون عندهم هدوم أحسن، أكل أحسن، وكوخ أكبر.

السفر لإنجلترا كان أحسن حاجة آكيا ممكن تعملها لعيلتها. السنين اللي آكيا هتقضيها في القلعة دي هتكون عظيمة وتستاهل.

هي صلّت إن مفيش حاجة وحشة تحصل لعيلتها ولا ليها هي شخصياً طول الفترة دي، والسبيل الوحيد عشان تكون في أمان هو إنها تطيع كل القوانين. إنها تكون مطيعة هو خيارها الأول...


تعليقات